دوما تفكيرها و قلبها .. و روحها .. و جميع جوارحها تهيم في المقربين
منها من أفراد أسرتها الصغيرة والكبيرة
تحب التواصل بين بعضهم البعض والسؤال عن الغائب ومهاتفة
القريب والبعيد للاطمئنان ..
تشعر إشراق بأن لديها دور خفي ودور ظاهر في إصلاح ذات
البين بين اثنين متخاصمين ..أو بين اثنين حدث بينهم سوء فهم
تطور إلى قطيعة
وتحاول ان تجمع بين من فرقتهم الأيام والسنين بطرق مباشرة
أو غير مباشرة
وأحيانا بدون شعورهم او إحساسهم بذلك ..كل ذلك حسب
ما تسمح به ظروفها وو قتها ..
ولكن أن تعترضها لذاتها إساءة وبطريقة مباشرة بدون سبب اقترفته ..
فذلك شيء لم تكن تتوقع أن يصادفها أو تعيش تفاصيله
بدرت من قريبتها نهى هداها الله أساءت النيات والتوقعات ووجهت
أسهمها الكلامية اللاذعة نحوها وهي تقصد الجميع هي ومن معها ..
مؤلم جدا هذا الموقف وخاصة لمن لم يتعود على هذا النوع
من المواقف...
تتذكر إشراق ذلك اليوم جيدا
في صباح أحد الأيام عندما قررت هي وعدد من أفراد العائلة
المقربين بعد إلحاح من الأبناء الخروج لتناول طعام الغذاء في أحد
المنتزهات البعيدة هاتفت اشراق نهى لتذهب معهم هي وأبنائها فكان
هاتفها مغلق ومن عادت نهى أثناء النهار فصل هاتف منزلها وهي
لها نظام خاص في حياتها يعرفونه جميعا لا تحب الدعوات النهارية
ودائما تعتذر عنها ..فتوقعوا أنها لن تذهب معهم
أيضا تتذكر اشراق جيدا
أنهم ذهبوا ذلك اليوم ومكثوا وقت لاختيار المكان الذي يريدون
ولأن ذهابهم لم يكن مخططا له من قبل..
و الحمد لله توفقوا في اختيار المكان وقضوا نهارا جميلا فرح فيه
الأبناء ولعبوا وركضوا ..
..وعند منتصف النهار اتصلوا بنهى وطلبوا منها الحضور هي
والأبناء واشراق ومن معها يضحكون ويقولون لها لقد أطلت
النوم ... هيا اسرعي بالحضور.. و لكن ..عندما علمت أنهم خرجوا
باكرا ولم يخبروها توقعت أنهم خططوا لذلك قبل بوقت ولم يخبروها
فبدأت تشرح لها ولم تترك لها فرصة للتحدث وتفاجأت بأنها غضبت
غضبا شديدا..وأخذت تتفوه بكلمات قوية بعضها جارح واتهامات
بأنهم قصدوا ذلك متعمدين ..وأقفلت اشراق الخط عندما رأت أنها
تمادت في تهمها وغضبها الذي لا مبرر له
وتتذكر ايضا
لحظتها كانت ردة فعلها الغضب من تصرف نهى وشعرت بأنها
تطاولت عليها كثيرا..
اطلقت اشراق تنهيدة وتذكرت بأنها وقتها كتمت غيظها وكانت
حليمة معها
ولأن نهى كانت معروفة لديهم بأنها إنسانة عصبيه وتحب مواجهة
الآخرين بالصوت لم ترد عليها بالمثل ويعز عليها أن تضع نفسها
في نفس المستوى مكثت بعد ذلك الموقف مدة من الوقت قد يكون شهر
أو أكثر من ذلك لا تحادثها وتتحاشى مقابلتها..
كانت في قرارة نفسها تتمنى أن تتصل بها وتعتذر ..
ولكن سمعت من يتحدث عنها أن نفسيتها متعبة جدا ودوما في نوبة بكاء
مستمر فالبعض ذهب إليها وغيرهم اتصلوا بها فقالوا لا ندري ما بها
ولكنها تبكي بكاء مرا وبحرقة وفي نفس الوقت يقولون بأنها تسأل عنها
وتقول لهم لماذا لم تزرني مع انه كان من الأولى أن تتصل هي بها
وتعتذر عما بدر منها نحوها
وشعرت اشراق أن نهى تكابر .. فازدادت حالتها سوء من نوبات
البكاء فلم يعرف أحد ما بها .....
تتذكر اشراق أنها كانت تسأل عنها من بعد لتطمئن عليها وتأتيها
الأخبار بأنها لازالت على وضعها ويطلبون منها زيارتها قد تهدا
بعدها ولكنها لم تحبذ ذلك ...ولأنها لم تخطيء تجاهها.
فهي تعرفها جيدا وهي من النوع ذات الشخصية القوية المتكلمة
والتي تواجه الآخرين بالصوت إذا لم يعجبها شيء أو لم يروق لها
موقف معين وتود أن تكون في المقدمة دائما ولو كانت على خطأ
وتستطيع أن تحل مشاكلها وتصرف (بتشديد الراء ) أمورها بنفسها
ودوما ترى نفسها على حق ولو أخطأت لا تعترف بذلك ..
وبحكم فهم اشراق لنفسية نهى عرفت أن ماتعاني منه هو شعور بالذنب
تجاهها وأنها أخطأت في حقها عندما أساءت لها بأسلوبها ...
وان ضميرها يؤنبها...ولكن لأنها مكابرة ولا تود أن تعتذر ولا توجد
لديها شجاعة الاعتذار وقد تعتبره نقص في حقها ..
وقيل لإشراق أن وضعها يتأزم وأبناءها أصابهم الارتباك
لأنها دائما حزينة وتبكي ...
تتذكر اشراق أنها فكرت كثيرا ودعت الله كثيرا بأن يلهمها
الله الصبر والحلم ...و ذلك لأنها من المقربات جدا لها ولن
يكون جيدا تركها بهذا الوضع
فاتصلت بها هاتفيا لعل وعسى تتحسن ولكن من يرد أبناؤها
ويقولون لا تستطيع التحدث لأنها متعبة وتسمع صوت بكاءها
الذي يقطع القلب ...
سألت اشراق نفسها ماذا يحدث؟ ولماذا هذا كله ؟ وهذا أكيد أنه
تصرف غير حكيم منها ولكن أسعفها تفكيرها إلى أن نهى قد
تعاني من ضغوط أسرية لم تصرح بها وأتى هذا الموقف وأشعرها
بأن الكل بعيد عنها
أو شيء من هذا القبيل في وقت كانت هي بحاجة إلى الاهتمام ..
وسيقودها هذا التصرف لتدمير نفسيتها وشخصيتها التي أصبحت معها
وكأنها محطمة داخليا وهذا سيقودها إلى الدخول في المرض النفسي
والذي يصعب الخروج أو التعافي منه ..هذا تفسير اشراق لموقف نهى..
أخذت تحادث نفسها هل إذا زرتها سينتهي كل شيء وترتاح وتعرف
أنني لا أحمل في نفسي شيئا نحوها وهل الموقف الدرامي الذي
هي فيه سينتهي
كانت شخصية اشراق من الشخصيات الحنونة المتسامحة الواثقة
من نفسها التي تجمع بين القوة الداخلية الغير ظاهرة للآخرين
والهدوء الذي يميزها
فخطر في بالها أنها لو قامت بخطوة الزيارة وتحسنت فستكسب
إن شاء الله الأجر من رب العالمين ثم استخارت وقررت أن
تذهب إليها مع اعتراض من حولها على ذلك ويقولون بأنها
تمثيلية منها حتى تذهبي إليها ولا تريد أن تتنازل أو تعتذر....
ولم تصغي إليهم
وقررت أخيرا أن تذهب إليها ..وطلبت ممن حولها أن يذهبوا
معها ..وبدون موعد دخلت إلى الداخل و تسمع صوت نحيبها
و شهيقها ..وعندما راتها من بعد لم تعرفها لقد تغيرت ملامح
وجهها كلية انتفخت عيناها وأصاب وجهها الذبول وتظهر
عليه علامات اليأس والإحباط وبوادر اكتئاب..
ووجدت عندها إحدى صديقاتها تواسيها ..وهي مرتبكة وقلقة
وحائرة لأنها لم تستجب لكل محاولات تهدئتها..
اقتربت منها وعندما رأت نهى اشراق نهضت من مكانها
وفرحت فرحا شديدا بها واحتضنتها وكأنها طفلة فقدت شيء
غالي عليها ووجدته أخيرا ..بكت كثيرا وتركتها تبكي إلى أن
هدأت شيئا فشيئا وارتاحت نفسياتها فسألتها ما بها .. ولماذا تفعل
بنفسها هذا كله فقالت .. لا أدري أشعر بضيق شديد ثم وجهت
كلامها نحوها لماذا لم تسألي عني ؟ ولماذا لم تقومي بزيارتي
للاطمئنان علي..؟
أجابتها ..أنا الآن عندك وها أنا زرتك( ولم تذكر اشراق شيء
عن ما مضى ولم تعاتبها ولم تواجهها بغضب أو بردة فعل
لما حدث منها ) وإنما أسدت لها بعض النصائح السريعة لتقوم
من مكانها وتغير من هيئتها وأن تقوم بضيافتهم وإلا ستذهب ..
تبسمت وهدأت أعصابها ونفسيتها .. وغمر قلبها الحب والحنان
شعرت اشراق أن نهى كانت بحاجة إلى الحنان وإلى الاحتواء
وأن نهى تحبها وتحترمها ولكن لعدم معرفتها بحل الأمور سلميا
وبهدوء أو بحوار مقنع ..ولا تود من اشراق أن تغضب منها
حدث لها ردة فعل عنيفة وهي التي أدت إلى إصابتها بهذه الحالة
و من بعد ذلك اليوم تحسنت حالتها و شعرت بالهدوء و الاطمئنان ..
لم تقدم اشراق على هذا الفعل إلا لأنها أرادت النفوس أن تهدأ
وأنه سيكون هناك قطيعة رحم لو استمر الوضع على ما هو
عليه ويكون هناك تشتت في العائلة ..وقد يكون هناك قيل وقال
و كثرة السؤال.. و قد تكبر الأمور و تتسع ..وتقسى القلوب ..
فحل المشكلة من بدايتها أرحم وأجدى وأنفع ..ولو كان فيها تنازل..
ولكنه تنازل لن يضر كل ذلك لكسب الأجر من رب العالمين
وعادت الأمور إلى مجراها الطبيعي ...
قال تعالى ( ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي احسن فإذا
الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم 0وما يلقاها إلا الذين صبروا
وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم )
